حذاء أبي القاسم
كان في بغداد رجل اسمه أبو القاسم الطنبوري, وكان له حذاء يلبسه سبع سنين , وكان كلما تقطع منه موضع جعل مكانه رقعة إلى أن صار في غاية الثقل وصار مضرب مثل بين الناس...
فاتفق على أنه دخل يوما سوق الزجاج فقال له سمسار : يا أبا القاسم قد قدم إلينا اليوم تاجر من حلب, ومعه حمل زجاج مذهب قد كسد فاشتره منه, وأنا أبيعه لك بعد هذه المدة...فتكسب به المثل مثلين!! فمضى واشتراه بستين ديناراً ...
ثم دخل إلى سوق العطارين , فصادف سمسارا آخر , وقال له: يا أبا القاسم قد قدم إلينا اليوم من نصيبين تاجر ومعه ماء ورد ولعجلة سفره, يمكن أن تشتريه منه رخيصا وأنا أبيعه لك فيما بعد بأقرب مدة,فتكسب به الضعفين..فمضى واشتراه بستين ديناراً ...
وملأ به الزجاج المذهب وحمله , وجاء به فوضعه على رف من رفوف منزله في الصدر...
ثم إن أبا القاسم دخل الحمام ليغتسل فقال له بعض أصحابه : يا أبا القاسم أشتهي أن تغير حذاءك هذا فإنه في غاية الشناعة!!
وأنت ذو مال والحمد لله...
فقال أبو القاسم: الحق معك إني سأغيره بإذن الله...
ثم خرج من الحمام..ولبس ثيابه .. فرأى بجانب حذاءه حذاء جديداً فظن أن صاحبه أصبح كريما واشتراه له .. فلبسه ومضى إلى بيته..وكان ذلك المداس الجديد للقاضي ..!! وقد جاء في ذلك اليوم إلى الحمام ووضع حذاءه هناك ودخل ليستحم..!!
فلما خرج القاضي بحث عن حذاءه فلم يجده,, فقال : أمَن لبس الحذاء لم يترك لي عوضه شيء ..!!؟؟
ففتش حرسه المكان فلم يجدوا سوى حذاء أبي القاسم فعرفوه لأنه كان مضرب المثل... فأرسل القاضي حرسه إلى منزل أبي القاسم فكبسوا عليه في المنزل فوجدوا حذاء القاضي عنده ..فأحضره القاضي وضربه تأديبا له ..وحبسه مدة .. وغرمه بعض المال ثم أطلقه ..!!
فخرج أبو القاسم من الحبس غاضباً .. وأخذ حذاءه .. ومضى به إلى نهر دجلة فألقى حذاءه فيها.. فغاص الحذاء في الماء!!!
فأتى بعض الصيادين.. فألقى شباكه في النهر.. فطلع حذاء أبي القاسم في الشبكة ..!!
فلما رآه الصياد عرف أنه لأبي القاسم..فظن أنه وقع منه في النهر... فحمله وذهب به إلى منزل أبي القاسم.. فلم يجده..فنظر فرأى نافذة من نوافذ المنزل مفتوحة ... فرمى الحذاء إلى داخل المنزل فوقع الحذاء على الرف الذي وضع فيه أبو القاسم الزجاج..!!فوقع الزجاج وتكسر وتبدد ماء الورد...!!!
فجاء أبو القاسم ونظر إلى ما جرى في منزله فعرف أنه مداسه..!!
فجعل يلطم وجهه وصاح يبكي ويقول : وافقراه أفقرني هذا الحذاء الملعون.. وألبسني الديون..!!!
ثم إنه قام في الليل ليحفر حفرة لحذائه ليدفنه فيها ويرتاح منه كما يتصور..!!
ولكن سمع الجيران أصوات الحفر في الليل فظنوا أن أحداً ينقب عليهم فرفعوا الأمر إلى الحاكم..!!
فأرسل إليه الحاكم وأحضره وقال له : كيف تستحل أن تنقب بجانب حائط جارك ؟؟
وحبسه ولم يطلقه حتى غرم من ماله..!!
ثم خرج أبو القاسم من سجنه وهو يكاد يتفجر من الغضب بسبب حذاءه الذي جر له المصائب...!!!
فذهب بحذائه إلى كنيف الخان(مجمع مصاريف المياه) فسد الحذاء قصبته الرئيسية ففاض الناس وضجروا من الروائح الكريهة وتجمع القذارة ...
فلما بحثوا عن السبب وجدوا حذاء فلما تأملوه وجدوا أنه حذاء أبي القاسم..!! فحملوه وذهبوا به إلى الوالي..!! فأحضره الوالي ووبخه وأنبه..
وأمره بتصليح الكنيف..!! وغرم مبلغاً من المال..!!!
فخرج أبو القاسم والحذاء معه.. وهو يقول والله لن أفارق هذا الحذاء حتى لا يجلب لي المتاعب...!!!
ثم غسل حذاءه ووضعه على سطح المنزل ليجف .. فرأته حدأة فظنته رمة فحملته تريد الذهاب به ... ولكن لثقله الزائد سقط منها على رأس رجل.. فأصيب الرجال إصابة بليغةً فنظروا الناس إلى الشيء الذي أصابه فوجدوه حذاء أبي القاسم..!!!
فحماه الناس وذهبوا به إلى الحاكم .. فألزمه الحاكم بدفع العوض والقيام بلوازم المجروح مدة مرضه فنفد عند ذلك جميع ما يملك من مال ولم يبق عنده شيء..!!!
ثم إن أبا القاسم أخذ حذاءه ومضى به إلى القاضي وقال له : أريد من مولانا القاضي حفظه الله أن يكتب بيني وبين هذا الحذاء اللعين مبارأة شرعية على أنه ليس مني ولست منه..!!وأن كلا منا بريء من صاحبه..!!
وأنه مهما يفعله هذا المداس فلست بمؤاخذ أنا به ..!! ثم أخبره بما حدث له بسبب هذا الحذاء في الأيام السابقة ..
فضحك القاضي وأعطاه ما يريد وأرضاه ...!!!
أتمنى أن تعجبكم القصة,,
السبت مايو 03, 2008 12:26 pm